عذرا على غيابي الطويل عن المدونة، فقد كنت منشغلا ببعض التغيرات الطارئة على جسمي.
فبالإضافة إلى محاولة تأقلمي مع وضعية الجلوس في زاوية بين مخدتين، أصبحت أحس ببعض الوخزات في فمي.
واليوم، وبعد طول بكاء في الليل أثرت به قلق والدي، نبتت وسط لثتي السفلى قطعة صلبة بيضاء. وقد اتخذتها لعبة أسلي بها نفسي حتى إنها قد أنستني آلامي.
زغاريد منطلقة هنا، وتهاني ملقاة هناك.. وجوه باسمة وأخرى ضاحكة.. وحدي أبكي من شدة الألم ومن أثر المخدر.
كانت هذه نهاية صباح طويل. فمنذ الثالثة صباحا لم يسمح لي بتناول الطعام ولا حتى تذوق العسل. تصوروا أن المطلوب مني هو الصبر على الجوع ست ساعات قبل بدء العملية الجراحية.. ماذا؟! عملية جراحية؟!!!
كل القرائن تشير إلى مؤامرة تحاك ضدي في الخفاء:
- سفر في غير أيام عطل إلى تطوان.
- ركوبي لأول مرة في سيارة كبيرة تسمى حافلة.
- استحمامي بمجرد الوصول إلى بيت جدي على الرغم من رفضي واحتجاجي العنيفين.
- إدراج ملعقة من دقيق الأرز في الحليب.
أحس بأمر يدبر لي هذه الليلة..
بدأت أحوالي تستقر ولله الحمد. فباستثناء بعض الحالات التي أكون فيها مريضا أو تعبانا، صرت أنام لمدة أطول خاصة في الليل تصل في بعض الأحيان إلى أربع ساعات.
كما أنني بدأت أعرف شيئا يسمونه باللعب، حيث يقوم والدي بمداعبتي في وجهي. فأتفاعل معهما مرة بإلقاء ابتسامة، ومرة بالغمغمة بحروف متقطعة.
ما هذه الأشياء الغريبة التي تملأ الجدران والسقف؟
يستهويني النظر إلى الإطارات المعلقة بالحيطان، وتبهرني الستائر الملتصقة بالنوافذ. لكن أكثر ما يثير انتباهي هي الأضواء المنبثقة من الثريا.
بعض الهدوء من فضلكم، دعوني أركز في تأملاتي!
هذا اليوم لن يمحى من ذاكرتي أبدا.. فقد قررت أمي اصطحابي معها إلى مدينة الدار البيضاء رفقة جدي أحمد وابنة عمها سارة بغرض زيارة المعرض الدولي للكتاب وزيارة مكتبة آل سعود لتقوم أمي بالبحث عن كتب تحتاجها في دراستها.
منذ ثلاثة أيام والنوم يأبى أن أستسلم له. بكل برود يطردني كلما اقتربت منه. تسللت بالليل لأغافله فلم أستطع. وحاولت أن أعانقه بالنهار فلم أنجح. لم يرق قلبه لي حتى عندما انفجرت صرخاتي بقوة. آلمني ذلك، كما أوجعني استمرار آلام بطني التي لم أدري لها سببا. من أجل ذلك قرر والداي صحبتي إلى الطبيب.
تنتهي اليوم العطلة التي استمرت أربعة أيام بعدما التقت فيها بداية السنة الهجرية الجديدة بذكرى 11 يناير.
لم أذهب للمدرسة في هذه العطلة D-: فقد جاءت جدتي أمينة لزيارتنا وبصحبتها خالتي مريم وهاجر. كما أطل علينا خالي علي، فكانت هذه الأيام حافلة بالأنشطة من بينها تحميم جدتي لي في حمامي الجديد في حضور أبي وأمي وخالتي مريم.
لا أعرف لماذا يصعب عليكم فهمي؟!
أنا أعبر بكل وضوح عن أفكاري ومطالبي :
- فإذا جعت فإني أبكي.
- وإذا أردت تغيير الحفاظات فإني أبكي.
- وإذا لم أستطع النوم كما أريد فإني أبكي.
- أما إذا أحسست بالألم فإني أبكي.
- وإن تبللت أثناء تحميمي فإني أعترض وأبكي.
- وإذا ما انزعجت من شيء آخر فإني أبكي.
إذا كان كثيرون يحتفلون بهذا اليوم لأنه فاتح السنة الميلادية، فبالنسبة لي هناك أمر آخر يميزه. فهذا يوم وصولي إلى الرباط بعد أسبوعين رائعين أمضيتهما في تطوان، وها أنا ذا أستعد لدخول البيت.